تفسير سورة الشمس للشيخ ابن العثيمين
وقصة ناقة صالح عليه السلام مع قومة ثمود
{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ . إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا . فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا .
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا . وَﻻَ يَخَافُ عُقْبَاهَا } .
{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } ثمود اسم قبيلة ونبيهم صالح عليه الصلاة والسلام،
وديارهم في الحجر معروفة في طريق الناس ، هؤﻻء كذبوا نبيهم صالًحا . ونبيهم
صالح عليه الصلاة والسلام كغيره من اﻷنبياء يدعوهم إلى عبادة الله وحده ﻻ
شريك له . كما قال الله تعإلى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِﻻَّ نُوحِي
إِلَيْهِ أَنَّهُ ﻻ إِلَـهَ إِﻻَّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ } [اﻷنبياء : 25 ] .
دعاهم إلى عبادة الله وحده ﻻ شريك له ، وأعطاه الله سبحانه آية تدل على
نبوته وهي الناقة العظيمة التي تشرب من البئر يوماً وتسقيهم لبناً في اليوم الثاني .
وقد قال بعض العلماء [ ] : إنه كلما جاء إنسان وأعطاها من الماء بقدر
أعطته من اللبن بقدره، ولكن الذي يظهر من القرآن خلاف ذلك . لقوله تعإلى :
{ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } [ الشعراء : 155 ] .
فالناقة تشرب من البئر يوماً، ثم تدر اللبن في اليوم الثاني ، ولكن لم تنفعهم هذه اﻻية .
{ بِطَغْوَاهَآ } أي بطغيانها وعتوها، والباء هنا للسببية ، أي : بسبب كونها طاغية كذبت الرسول .
{ إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا } هذا بيان للطغيان الذي ذكره الله عز وجل وذلك حين انبعث أشقاها .
و { إِذِ انبَعَثَ } يعني : انطلق بسرعة . { أَشْقَاهَا } أي أشقى ثمود أي : أعلاهم في الشقاء
ـ والعياذ بالله ـ يريد أن يقضي على هذه الناقة .
فقال لهم صالح عليه السلام : { نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا } أي ذروا ناقة الله، لقوله تعإلى في آية أخرى :
{ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّه } [ اﻷعراف : 73 ] . يعني اتركوا الناقة ﻻ تقتلوها وﻻ تتعرضوا
لها بسوء ولكن كانت النتيجة بالعكس .
{ فَكَذَّبُوهُ } أي : كذبوا صالحاً وقالوا : إنك لست برسول، وهكذا كل الرسل الذين
أرسلوا إلى أقوامهم يصمهم أقوامهم بالعيب . كما قال الله تعإلى : { كَذَلِكَ مَآ
أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِﻻَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [الذاريات : 52 ] .
كل الرسل قيل لهم هذا ساحر أو مجنون، كما قيل للرسول عليه الصلاة والسلام :
إنه ساحر ، كذاب ، مجنون، شاعر، كاهن ، ولكن ألقاب السوء التي يلقبها اﻷعداء
ﻷولياء الله ﻻ تضرهم، بل يزدادون بذلك رفعة عند الله سبحانه وتعإلى، وإذا
احتسبوا اﻷجر أثيبوا على ذلك . فيقول عز وجل :
{ فَعَقَرُوهَا } أي : عقروا الناقة عقراً حصل به الهلاك .
{ فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ } يعني : أطبق عليهم فأهلكهم كما تقول : دمدمت البئر : أي
أطبقت عليها التراب .
{ بِذَنبِهِمْ } أي : بسبب ذنوبهم؛ ﻷن الله سبحانه وتعإلى ﻻ يظلم الناس شيئاً
ولكن الناس أنفسهم يظلمون ، فالذنوب سبب للهلاك والدمار والفساد لقول الله
تبارك وتعإلى : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ
بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ الروم : 41 ] . وقال تعإلى : { وَإِذَآ أَرَدْنَآ
أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً }
[ اﻹسراء : 16 ] . وقال الله تعإلى يخاطب أشرف الخلق وخير القرون : { أَوَ
لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } [ آل
عمران : 165 ] . فاﻹنسان يصاب بالمصائب من عند نفسه ، ولهذا قال :
{ فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ } أي : بسبب ذنبهم .
{ فَسَوَّاهَا } أي : عمها بالهﻼك حتى لم يبق منهم أحد وأصبحوا في ديارهم جاثمين .
{ وَﻻَ يَخَافُ عُقْبَاهَا } يعني : أن الله ﻻ يخاف من عاقبة هؤﻻء الذين عذبهم ، وﻻ
يخاف من تبعتهم ، ﻷن له الملك وبيده كل شيء، بخلاف غيره من الملوك لو
انتصروا على غيرهم، أو عاقبوا غيرهم تجدهم في خوف يخشون أن تكون الكرة
عليهم . أما الله عز وجل فإنه ﻻ يخاف عقباها . أي : ﻻ يخاف عاقبة من عذبهم ،
ﻷنه سبحانه وتعإلى له الملك كله، والحمد كله ، فسبحانه وتعإلى ما أعظمه، وما أجل سلطانه