فأرة تدفع فدية !
ذَكَرَ أبو بكر الدقَّاق المعروف بـ (ابن الخاضبة) أنه كان
قاعدًا في ليلة من الليالي يَنْسَخ بعض الكُتُب، قال: وكنتُ ضيِّق اليد -أي قليل المال- فخرجتْ فأرةٌ وجعلتْ تَعدُو في البيت، ثمَّ خرجتْ فأرةٌ أخرى، وجعلا يلعبان بين يديَّ ويتقافزان، فتقدَّمتْ إحداهما إليَّ وكان أمامي طاسةٌ فأخذتها ووضعتُها عليها، فلم تستطع الخروج.
فجاءت الفأرة الأخرى فدخلت الجُحْر ثم خرجتْ منه
وفي فمها دينارٌ فوضعتْهُ أمامي، فنظرتُ إلى الدينار وسكتُّ
واشتغلتُ بالنَسْخ والكتابة.
فمكثت الفأرة ساعةً تنظر إليَّ، ثمَّ ذهبتْ إلى حُجْرها وجاءت بدينارٍ آخر، ومكثتْ ساعةً أخرى تنظر إليَّ، وأنا ساكتٌ أنظر إليها وأنسخ، ثم صارت تذهب إلى الجُحْر وترجع إليَّ حتى جاءت بأربعة دنانير أو خمسة، ثمَّ مكثتْ تنظر إليَّ زمانًا أطولَ من كلِّ مرَّة، ثم دخلت الجُحْر وخرجتْ، فجاءت بالكيس الذي كانت فيها الدنانير فوضعتْهُ أمامي، فعرفتُ أنه ما بقي معها من الدنانير شيء، فرفعتُ الطاسة فقفزت الفأرة التي تحتها، فدخلا في الجُحْر، وأخذتُ الدنانير وأنفقتها على نفسي وأهلي.

قلت: هذه القصة الطريفة ذكرها الشيخ ابن عثيمين في إحدى جلساته مع طلابه فقال: حدَّثنا شيخنا-يعني ابن سعدي- أن رجلاً كان يَنْسخ الكُتُب في الليل...إلخ القصة، فظننتُ أن الشيخ يرويها عن رجل معاصِرٍ له، ثم قرأتها في شرح الشريشي 162/3، وفي معجم الأدباء 228/17 لياقوت الحموي، فعلمتُ أنها ممَّا نقله الشيخ ابن سعدي من الكُتُب لا ممَّا حصل في زمنه.
الشيخ : محمد المهنا