سافرت مع زميلين لحضور معرض الكتاب في الشارقة ، وبينما نتجول في المعرض إذ قابلنا رجل كبير السن تبدو عليه البساطة في أجلى صورها ، وتَعْرفُ من خلال حديثه أنه عامي محب للكتب ، فعرف أحد أصحابي وسلم عليه وألح علينا بإجابة دعوته للغداء في مكتبته في عجمان فأجبنا الدعوة ، ودخلنا بيتاً شعبياً متواضعاً ذا غرف كثيرة مليئة بالكتب ، فسألناه ما قصة هذه المكتبة ، فقال هذا بيتي وبيت أولادي ، وقد كنت أحب الكتب وأجمعها ولكني لست طالب علم مثلكم ، فقررت أن أضع الكتب في مجلس البيت وأفتح المجلس من بعد العصر إلى العشاء يومياً لمن أراد القراءة أو الاستعارة ، فأخذ أهل الحي يتوافدون على المكتبة ويقرأون ويستعيرون، ثم لما رأوا منفعة هذه المكتبة جاؤوني بالكتب التي في بيوتهم ولا يستفيدون منها ، فاتسعت المكتبة حتى ضاق بها المجلس ففتحت الغرفة المجاورة فامتلأت ثم التي تليها ، ثم قررت أن أتحول بأهلي إلى مكان آخر، وأجعل هذا البيت خاصاً بالمكتبة ، وصرت أفتحها وقتاً أطول، وعلمت وزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية بالأمر فعينت أحد دعاتها أميناً على المكتبة ، وصارت ترسل الكتب التي للتوزيع إلى مكتبتي، ويتم توزيعها عبر مكتبتي، وصار لهذه المكتبة شأن كبير في المجتمع ونفع ظاهر للناس بحمد الله ، وصارت هي مشروع العمر بالنسبة لهذا الرجل العامي الذي قرر بطريقته البسيطة ونيته الصالحة أن يخدم أمته ويصنع العلماء من خلال هذه المكتبة.

وأنا أقول: تزخر بيوت كثير من طلبة العلم بمكتبات لا يستفيد منها غير صاحبها ، وقد لا يستفيد هو منها لكونه لا يراجعها إلا في النادر من الأوقات ، ولكنه لن يفرط فيها حيث أنفق عليها جهده وماله وشبابه ، فتبقى مهملة معطلة ، ولذا لو قام بعض هؤلاء بفتح مكتباتهم لطلبة العلم وللقراء لينتفعوا بها وتكون صدقة جارية وعلماً ينتفع به يبقى لهم بعد موتهم ، ولعل بعض هؤلاء لا يستطيع أن يهيئ المكان أو يضع أميناً على المكتبة لقلة ذات يده وعدم تفرغه ، فهذه فرصة لذوي الجدة وأهل الخير أن يعينوا على ذلك وييسروه للطلاب فيكون عندنا مكتبة أو أكثر في كل حي، تكون نادياً علمياً ومركزاً ثقافياً.
والله الموفق.
كتبه:
محمد بن عبد العزيز الخضيري.