ثقافة الاختـــلاف ..(( اختلف معى كما تشاء .. ولكن كن مهذباً ))
لا شك أن الفيسبوك وتويتر وشبكات التواصل الإجتماعى كافة أصبحت ضرورة مؤكدة فى حياة الكثير منا ، ناهيك عن مطالعة الصحف و متابعة الأخبار اليومية المتلاحقة من خلالها ، أو المشاركة فى المدونات و المنتديات المختلفة بكافة أنواعها ومجالاتها ، وبرغم المميزات المتعددة المتوفرة فيها ، من سرعة توصيل المعلومة ونشرها للآخرين فى الحال بسهوله ويسر ، أو كوسيلة للتواصل بين الأصدقاء والأقارب ، أو التعارف الداخلى والخارجى واكتشاف ثقافات مختلفة وتبادل المعلومات حول العالم.
الا أننى لاحظت فى تلك الوسائل خاصة الشبكات الاجتماعية "فيسبوك" و "تويتر" بعض السلبيات .
من أبرزها انتشار الخلق العدوانى والهجوم الشرس تجاه المخالفين ، و إفساد الوئام المجتمعى ونسيج الوحدة وروح الود و الألفة والتوافق بين الأصدقاء والمحيطين.
وربما ترجع تلك الظاهرة لفقدان الوعى السياسى والثقافى لدى مستخدمى تلك الشبكات وعدم نضجهم الإجتماعى وغياب الوازع الدينى والقيم الأخلاقية .
ولعلنا لاحظنا جميعاً عبر صفحاتنا وحسابنا الشخصى على الفيسبوك وتويتر العديد من تلك السلبيات التى تعتبر من المؤشرات الخطيرة على فساد المجتمع .
إختلف معي كما تشاء وقول رأيك بكل حرية .. ولكن كن مهذباً خلوقاً لاتكذب ولا تطاول حين تعرض أى قضية
فالاختلاف سنة كونية ، فعندما خلق الله عز وجل الكون، شاء الله سبحانه أن يقوم هذا الكون على الاختلاف فى كل شىء، وليس الاتفاق!
فهناك سماء وأرض ، ونهار وليل، وشتاء وصيف، وفرح وحزن، وصحة ومرض، وحياة وموت، وحتى فى الآخرة ثواب وعقاب، جنة ونار..
وهكذا اقتضى الله فى سائر مخلوقاته، من نبات وحيوان، باختلاف أجناسهما وأشكالهما..
وكان للبشر النصيب الأكبر من هذا الاختلاف والتنوع فى كل شىء، فى الجنس واللون واللسان والحجم والشكل والفكر والنفس، حتى كان الاختلاف فى المعتقد الإيمانى والدينى داخل قلب كل إنسان..
هذه هى حكمة الله فى كونه وخلقه.. (الاختلاف)…
وفى هذا يقول الله عز وجل فى قرآنه الكريم: [وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ والأرضِ واختلافُ ألسِنتِكُمْ وألوانِكُمْ، إنَّ فى ذلك لآياتٍ للْعالِمين] «الروم: 22».
وقديماً قالوا : " الاختلاف في الرأي ...لا يفسد للود قضية "
اذاً فالاختلاف مطلوب وشئ محمود وليس بالسئ .. فلكلاً منا الحق والحرية فى طرح أفكاره ومعتقداته كيفما يشاء ووقتما يشاء .. شرط التزام الأدب وتحرى الصدق والحيادية.
ولكن الحاصل والواقع فعلياً هو التصارع لفرض فكر معين على الآخرين ، دون النقاش الجاد والهادف بالدليل والحجة .. وعدم القدرة على فهم عقلية الآخر والسماح باعطائه فرصة لطرح افكارة بحرية ، بل الانكى من ذلك تربص كلاً منا بالآخر وتخوينه و التشكيك فى وطنيته، لأنه ينتمى لتيار أو حزب معين ، أو جماعة وحركة بعينها ، أو لكونه يدعم مرشحاً ما ، أو أن لديه أيدلوجية مختلفه عنه.
فنجد التراشق بالألفاظ والتطاول والطعن فى الأعراض والنقد الشخصى والابتعاد عن الموضوع محل النقاش.
وأكثر ما احزننى هو محاولة إسقاط الرموز الوطنية والدينية ، فضلاً عن التجرأ فى التعريض بها وسبها والاستهزاء منها وتسفيهها.
والمستفز فى الأمر أن تجد بعض قليلى الوعى والثقافة أو بمعنى اشمل ( الجهلاء) ، يسارعون بالنقد والمعارضة دون قراءة وتثبت من الأمر فتجد فى تعليقاتهم عجب العجاب ، بل ويحتدون أيضا فى الرد ويغلظون لك فى القول ، ويغلب عليهم العند والتكبر.
ومن المؤسف أيضا أن تصل تلك الخلافات إلى قطع العلاقات الاجتماعية مع الأصدقاء على تلك الشبكات ، فضلا عن إمتداد أثرها داخل الأسرة نفسها .
ومن هنا ما أقول لنفسى وأطالبكم أيضا بتنفيذه ، إذا أردنا الصلاح لمجتمعنا وتقويم سلوكه وتدعيم علاقات الصداقة والود بيننا ووحدة الصف .. بأن نتقبل فكر الآخرين .. وليس معنى قبول هنا هو الأخذ بالأفكار و إنما التريث والأخذ بأسبابها و السماح بإعطاء الآخر الفرصة لطرح فكرته ....من خلال النقاش والتحاور معه بأسلوب راقى وثقافى متحضر ، هادئ لا ترتفع فيه الأصوات عاليه ..والبعد عن فرض أفكارنا عليهم بالقوة دون محاوله لإقناعهم بالدليل والحجة .. فكما أننا لم نقبل بفكره من حقه الا يقبل بأفكارنا... إذا كنا نتعامل معه بتلك الشدة .
وأن صادفت من يعترضك و يناقشك بجهل ويتطاول عليك و يأبى إلا يحترم قواعد الحوار ، فألزم أنت الصمت واعرض عنه ولا تجادله ولا تناقشه ولا ترد.
وتذكر قول الشافعى :
يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيباً
يزيد سفاهة فأزيد حلماً كعود زاده الإحراق طيباً